مساء الخير.. 

الآن وقبل لحظات من كتابة هذه التدوينة شعرت برغبة شديدة في كتابة التدوينة الأولى لمجتمعي،، كلمات أكتبها كأنني أكتب في دفتري الخاص.. دون أية هدف من الكتابة سوى مجرد الكتابة والسماح للكمات أن تُكتب من خلالي.. فلبيت النداء وفعلت.. على أمل كتابة المزيد من الكلمات.. وأعلم أنّها ستصل.. 

قبل يومين كان يوم ميلادي التاسع والعشرين.. مشاعر كثيرة في هذه الحقبة.. 

أشعر أنني أنضج عقلًا.. وفي نفس الوقت أصغر روحًا وشكلًا، كأنني أقبل على الحياة بروح فتاة في بداية عشريناتها وليس آخرها.. طاقة كبيرة للعيش، ليس مجرّد العيش.. بل الشعور بالحياة في كل لحظة وبكل طريقة.. كأن شهيتي ازدادت للحياة.. وياله من شعور رائع.. 

في يوم عيد ميلادي كتبت لنفسي رسالة طويلة.. رسالة مكوّنة من تسع صفحات.. تبدأ بحب وتقدير لكل ما مررت به في عامي الثامن والعشرين.. ثم.. العديد من الوصايا والتعاليم التي سأحتاجها معي خلال العام.. اليوم قرأت الوصايا من جديد.. وبكيت.. لأنّ الله اختصني بهذه الموهبة وبتلك القدرة العجيبة على تدفق الكلمات من خلال قلم وورقة.. 

لم يكن هذا السبب الوحيد الذي جعلني أبكي اليوم.. لكنني بكيت.. وسأخبرك السبب.. 

مع بداية 2025 ومشاعر الغيث المحملة بهذه السنة.. بطريقة ما بدأت أوراق إقامتي إلى السعودية تتحرك وتتسهل.. ولكن… الشيء الذي سيجعل هذا الحلم أقرب للحقيقة هو التنازل.. عن شهادة الطب.. وهذا حدث لو تعلمون عظيم.. لوجستيًا سأغير الهوية المصرية  وجواز السفر إلى مهنة لا تحتاج سوى شهادة الثانوية العامة.. شيء صادم.. 

شعرت أن ثمة شخص ما يقتلع ثمان سنوات من حيات.. ثمان سنوات ما بين الدراسة والعمل.. تخلّي عظيم..

بكيت على كل ليالي التعب، بكيت على ليلة اختبار مادة الجراحة، والتشريح، والأشعة.. 

بكيت على عشر سمسترات،  وما يقارب ثمانين مادة دراسية باختباراتها النصفية والفصلية.. 

بكيت على مشروع التخرج الذي أخذ منّي أشهر من العمل والتخطيط والقلق والخوف.. 

بكيت على اليوم الأخير الذي خلعت فيه بالطو الطب وأنا أعلم أنني لن أعود إليه أبدًا..

بكيت على الدرجات العالية التي تخرجت بها.. نعم فقد تخرجت بتقدير عام امتياز من حلم لم يكن يومًا حلمي.. لكنني تخرجت منه.. وبامتياز.. 

بكيت ولم أكن أعلم أنني كنت أحتاج التخلي كليًا.. شكلًا وموضوعًا ولوجستيًا عن هذا الجزء من حياتي.. والآن رسميًا وأمام حكومتنا الموقرة.. أنا فتاة حاصلة على الثانوية العامة..

هل تعلم ماذا يعني هذا؟ 

يعني أنّ الحياة أعطتني فرصة ثانية.. فالآن أنا اعتبرني بنت الثامنة عشر من عمرها..حديثة التخرج من الثانوية.. ماذا تود أن تفعل؟ ماذا تتمنى أن تكون؟ وكيف تود أن تبني حياتها..

وأول ما خطر في بالي هو هذه المدونة.. 

نعم من أجل هذا تركت الطب.. لأكتب…

أو لأجل ذلك لم أكن طبيبة من الأساس.. 

أخذت مني الحكومة لقب طبيبة.. فلتعيد إليّ الحياة حقي في الكتابة.. 

فلتأخذني الحياة حيث شاءت، أو حيث يشاء قلمي.. 

هكذا كانت بداية عامي التاسع والعشرين، عام بدأ بالتخلي عن اسم ومنصب ولقب الطبيبة.. فقد غابت الأسماء و ابتعدت الألقاب.. ولكن كلماتي أرض لا تخون*..كلماتي جعلتني من أكون..

ورغم كل المشاعر التي تهز شيء ما بداخلي.. مشاعر الهيبة التي تخفيني أحيانًا وتبكيني أخرى.. إلّا أنني أشعر بسعادة تحقيق الحلم الذي كانت تحلمه فاطمة ذات الثمانية عشر عامًا.. والآن أنا وهي واحد

 

 

* ألهمت هذه العبارة من الشاعر العظيم فاروق جويدة حين وصف حبيبته في أحد الأبيات..

لو خانت الدنيا وخان الناس وابتعد الصحاب، عيانكِ أرضٌ لا تخون 


ملاحظة: 

كُتبت هذه التدوينة يوم 20 يناير بعد يومين من عيدميلادي، والآن هي أول تدوينة لي على موقعي ومدونتي..


إن كنت تقرأ الآن فشكرًا على قرائتك وشهودك تدويناتي الأولى من هذا النوع.. وأهلًا بك في عالم المزيد من التدوين 




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *