تأملات التعافي من الأكل العاطفي - الجزء الأول


أكتب هذه الرسالة بعد أن قطعت أميالًا في رحلتي..

 

رحلتي من الشك إلى اليقين.. ومن الكفر إلى الإيمان.. 

رحلتي من البعدِ إلى القرب.. ومن الطب إلى الكلمات.. 
رحلتي من اليأس إلى الحياة..  ومن الخوف إلى الأمان.. 

 

أتدرون بعدما قطعت كل تلك الأميال إلى أين وصلت؟

 

إلى أول خطوة على الطريق.. 


فلم أصل بعد إلى اليقين في كلماتي ولا أفكاري ولا حروفي، ولا حتّى معتقداتي.. لكن مجرد يقين بـ ا
لمسير.. 

وهل يتطلب المسير رحلة طويلة، وعمر بأكمله؟

أو لم يُفطر الكون بأكمله على تعاقب الليل والنهار؟ 

أو لم تبنى الحياة بأكملها على حتمية الإستمرار؟

هذا ما كنت أعتقده..

أن بمجرد ضبطي إعدادت اختياراتي مرة واحدة فهذا يعني أنّ
 أمواج الحياة ستدفعني حتمًا لوجهتي.. وستأتي الرياح دومًا بما أشتهي.. وستحملني سفينتي إلى قبلتي.. 

لكن ما لم أكن أحسب حسابه هو.. الرحلة الطويلة التي يجب قطعها لضبط إعدادت المصنع.. (مصنع عقلي وأفكاري ومشاعري ودوافع قرارارتي.. )

فحين بدأت رحلة تغيير حياتي المهنية، توجهاتي الفكرية، واختياراتي العاطفية.. وأخيرًا كللتها  بالسفر إلى أرض جديدة 
(سفري إلى جدة في بداية 2023) ..  فحتمًا لا يوجد تفسير لهذا سوى.. الوصول.. 

إلّا أنه على الجهة المقابلة من كل ذلك وجدتني في مواجهة شبح كبير يسمى..
 الأكل العاطفي، أو إدمان السكر.. 

فبعد الوصول إلى أرضٍ جديدة.. خرج إلى السطح إحتياج أزليّ داخلي.. 
الأمان.. ولم أعلم كيف ألبيه

فصنعتُ من الحبيبات البيضاء الصغيرة ملاذ آمن، وجعلت من أطباق الطعام الممتلئة بيتٌ دافئ..
نعم فقد وجدتُ في الطعام البيت والحضن والدفء والاحتواء.. وفقدت في نفسي ومن حولي كل ذلك.. 

العلاقات لا تُشبعني.. والطعام يفعل 
الكلمات لا تهدئني.. والطعام يفعل
الأحضان لا تدفئني.. والطعام يفعل

الأصدقاء لا يفهمونني.. والطعام يفعل

البيت لا يسكنني.. والطعام يفعل

العمل لا يملأني.. والطعام يفعل 

كل ذلك لم يكن يكفيني.
. وكنت دائمًا أبحث عن المزيد.. 

 

الحقيقة الحقيقة.. أنني كنت ألوم الكلمات، والعلاقات، والأحضان والأصدقاء، والمدن، والأعمال والمشاريع.. أنّها لا تكفيني.. فلماذا رغم قرب الأشياء من حولي إلّا أنني لازلت أشعر أنني في حاجة إلى شيءٌ بعيد.. 

 

لكنها كانت نفسي “القديمة” المتعطشة للحب والأمان وتسأل هل من مزيد؟ 

ولم تجد هذا الحب ولا ذلك الأمان إلّا في أروقة الطعام ودهاليز الحلوى.. ونفس لا تشبع، وشغف لا يتحقق 

ارتطمت سفينتي بالقاع.. فما عادت الأطباق الممتلئة تُشبع عطشي للامتلاء بالشغف الحقيقي.. وماعاد طعم الحلوى يغنيني عن رغبتي في الاستمتاع بالحياة.. 

أدركت أنّ كل ما أحتاجه 
إمّا سأجده داخلي.. أو أصنعه في حياتي

أدركت ذلك بعقلي.. أما قلبي وروحي وجسدي فلا زالوا يبحرون في بحرٍ أمواجه تقود إلى 
وادٍ غير ذي زرع ولا ماء.. كل ذلك على أمل البقاء.. 

ولم تبدأ الرحلة إلّا حين وجّهت مقود سفينتي إلى الشاطئ الذي أريد.. وهنا كانت
 أول خطوات المسير… 


و
بدأت الرحلة بكل أعراض الإنسحاب.. 

“لا” لقطعة الحلوى.. ومعها “لا” لما يستنزف روحي
“لا” لشعور الامتلاء بالطعام.. و”لا” لشكوكي تجاه كلماتي

“لا” لحدود غير صحية مع نفسي.. “ولا” لحدود غير صحية مع الآخر.. 
“لا” لطعام غير صحي.. و”لا” لجودة حية تعيسة.. 

كنت أظن أنّ أعراض الإنسحاب هي الأسوأ.. لكن أصعب الأمواج هي.. 

الفراغ ما بعد الـ “لا” وما تصحبه من مشاعر المجهول،
 والإبحار في خوف الفراغ المطلق، وكل ما تصحبه من تساؤولات.. 

هل سأصل؟ هل سأجد ضالتي؟ وما هي ضالتي؟ هل في ذلك الفراغ المطلق سيقابلني الحب على الجانب الآخر؟ هل سأظل وحدي؟
 وهل أمتلك حقًا شجاعة اختيار الحياة.. 

ومن منطلق كل ذلك.. تُخلق ال”نعم”.. وكل ما تحمله طيّات الكلمة من مسؤوليات

“نعم” لعمل يشحن طاقتي ورصيدي 
“نعم” لمشاريع تنعش شغفي وتُثير فضولي تجاه الحياة 
“نعم” لولادة الكلمة وكل ما تحمله من معاني 
“نعم” لجودة حياة أمتن لوجودها كل يوم 

“نعم” لـ علاقات تشبعني، كلمات تهدئني، أحضان تدفئني، بيت يسكنني، وعمل يملأني.. 

نعم وأهلًا ومرحبًا باستقبال الحياة

وأنا أعلم أنّ كل ذلك يتطلب مني ضبط إحداثيات سفينتي كل يوم، والمشي كل يوم خطوة تجاه ما عاهدت نفسي عليه.. 

وحين أيأس من المسير،، أنظر إلى الوراء.. فأرى أنني قطعت أميالًا حتى أصل إلى أول الطريق.. والآن 
التحدي كل التحدي أن أواصل المسير.. 

وليأخذني طريقي أنّى شاءت الرحلة..


أكتب هذه التدوينة على هامش رحلة التعافي من إدمان السكر والأكل العاطفي.. 
الرحلة التي صاحبها تغيير جذري لأفكاري ومعتقداتي.. وكل ما كنت عليه.. 
وانتظروا مني المزيد من التدوينات والتأملات المصاحبة لهذه الرحلة العميقة جدًا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *