
لطالما كان لدي إيمان عميق بالرحلة وكل ما تحمله من هدايا ودروس.. ولطالما كان شغفي لعيش الرحلة أكثر بكثير من شغفي بالوصول..
وأعتقد أنّ هذا الإيمان العميق كان واحد من أكثر الأدوات التي جعلت رحلتي في التغيير رحلة عميقة..
فأنا لست شغوفة بالوصول علي قدر شغفي بالمشاهد التي سأجدها، الأدوات التي سأكتسبها، المهارات التي سأتعلمها، وكل شيء سأقابله وأختبره خلال الطريق..
منذ اليوم الأول الذي ظهرت فيه مشكلة الأكل العاطفي وأنا أعلم أن رحلة التعافي منه لن تكون رحلة سطحية أبدًا.. والوجهة لن تكون جسد ممشوق أو وزن محدد، أو إلتزام بالرياضة فترة ما..
بل الرحلة أعمق من ذلك بكثير.. وتتطلب تغييرًا جذريًا ومحوريًا بداخلي.. والوجهة لن تكون سوى مجرد النتيجة، والهدية التي سأحصل عليها من المسير..
هذا الإدراك أزاح من على روحي عبء الوصول.. وأبطأ عقلي من عجلة الأفكار التي تريد ضمانًا بحتمية النتائج.. (لم يكن ادراكًا لحظيًا لكن ثلاثة أشهر على الأقل من التمرين على البط وتهدئة الجهاز العصبي حتى أستطيع تغيير الفكرة وصياغة الخطوة بهذه البساطة)
بدأت رحلة فك ارتباطي بالأكل العاطفي بسؤال.. لماذا أهرب إلى الطعام في المقام الأول؟
وجاءت الإجابة بعد الكثير من الوعي والمعرفة وتدوين المشاعر.. هربي ليس إلّا.. خوف من الحياة، خوف من الإختلاف، شك في قدراتي، خوف من الوحدة، عدم وضع حدود مع الآخر، نوم متقلب، روتين غير منتظم.. وتطول القائمة من الأسباب…
وحتى أبدأ أول خطوة على الطريق كان علي أن..
أبني كل شيء محطم بداخلي..
أرسم طريقًا للشغف كان غير ممهدًا من قبل..
أقبل كل يوم اختلافي وكل ما أنا عليه..
أصنع حدودًا صحية مع الآخر.. ومع نفسي..
أصنع حياة أستمتع كل يوم بالتواجد فيها..
أستيقظ لا أقوى على الحياة فأجهاد نفسي..
أقبل شعور عدم الراحة الذي يصاحب النمو والتطور..
أبكي وداعًا على رغبتي الملحة في الانتماء..
في بداية الطريق كانت النتائج تقريبًا صفر.. لكنني كنت أستند على كل مرة استطعت فيها أن أُحدث تغييرًا عميقًا في حياتي..
وكنت أعلم أنّ هذه المرة كل ما عليّ فعله هو أن أسير عكس شهوتي.. وأخلق.. أخلق أمانًا بداخلي، ثقة أنّ هذه الخطوة هي كل ما عليّ فعله الآن، ورشة عمل هنا، مشروع هناك، حدود هنا وهناك….. والكثيييييير من الأشياء
وبعد كل تلك الخطوات فاجأتني الحياة بالنتائج.. والوصول أخيرًا إلى الوجهة..
والوجهة في هذه الرحلة تكمن في
اختيار داخلي للحياة.. بدلًا من الطعام..
اختيار داخلي لتحقيق الشغف.. بدلًا من الطعام
اختيار داخلي للثقة في قدراتي.. بدلًا من الطعام
تقبل داخلي للاختلاف.. بدلًا من الطعام..
أمان والعيش في المجهول.. بدلًا من الطعام..
الاستمتاع وقضاء الوقت مع الأهل والأحباب.. بدلًا من للطعام
كل شيء كنت أحاول تعويضه بالطعام، خلقته مع الحياة.. وهنا علمت يقينًا أنني بدأت الرحلة.. فانفصلت عن الطعام واتصلت بكل شيء في الحياة..
ولأكون واقعية وحقيقية الرحلة تخللها شك ويأس، وبكاء وحداد، وتقبل عميق للإختلاف، وتوديع للانتماء القديم لكل شيء ألفته.. فلم تكن لأحصل على النتائج دون أن أبذل كل تلك الأثمان..
وعلى هامش كل ذلك.. أدركت أن رحلة الانفصال عن حبيبات السكّر، لم تكن إلّا رحلة إتصال عمبقة بالحياة.. ولهذا كله أنا أختار التعافي كل يوم..
وكما تمنيت.. الرحلة لم تكن سطحية أبدًا..